فصل: (سورة التكاثر: الآيات 1- 8)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الزمخشري:

سورة التكاثر:
مكية.
وآياتها 8.
نزلت بعد الكوثر.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة التكاثر: الآيات 1- 8]

{أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (1) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (2) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (3) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (4) كَلاَّ لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ (5) لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ (6) ثُمَّ لَتَرَوُنَّها عَيْنَ الْيَقِينِ (7) ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8)}
ألهاه عن كذا وأقهاه: إذا شغله. و{التَّكاثُرُ} التبارى في الكثرة والتباهي بها، وأن يقول هؤلاء: نحن أكثر، وهؤلاء: نحن أكثر. روى أن بنى عبد مناف وبنى سهم تفاخروا أيهم أكثر عددا، فكثرهم بنو عبد مناف فقالت بنوسهم: إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعادّونا بالأحياء والأموات، فكثرتهم بنوسهم. والمعنى: أنكم تكاثرتم بالأحياء حتى إذا استوعبتم عددهم صرتم إلى المقابر فتكاثرتم بالأموات: عبر عن بلوغهم ذكر الموتى بزيارة المقابر تهكما بهم: وقيل كانوا يزورون المقابر فيقولون: هذا قبر فلان وهذا قبر فلان عند تفاخرهم.
والمعنى: ألهاكم ذلك- وهو مما لا يعنيكم ولا يجدى عليكم في دنياكم وآخرتكم- عما يعنيكم من أمر الدين الذي هو أهم وأعنى من كل مهم. أو أراد ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد إلى أن متم وقبرتم، منفقين أعماركم في طلب الدنيا والاستباق إليها والتهالك عليها، إلى أن أتاكم الموت لا همّ لكم غيرها، عما هو أولى بكم من السعى لعاقبتكم والعمل لآخرتكم. وزيارة القبور: عبارة عن الموت.
قال:
لن يخلص العام خليل عشرا ** ذاق الضّماد أو يزور القبرا

وقال:
زار القبور أبو مالك ** فأصبح الأمّ زوّارها

وقرأ ابن عباس: {أألهاكم}؟ على الاستفهام الذي معناه التقرير {كَلَّا} ردع وتنبيه على أنه لا ينبغي الناظر لنفسه أن تكون الدنيا جميع همه ولا يهتم بدينه {سَوْفَ تَعْلَمُونَ} إنذار ليخافوا فينتبهوا عن غفلتهم. والتكرير: تأكيد للردع والإنذار عليهم. و{ثُمَّ} دلالة على أن الإنذار الثاني أبلغ من الأوّل وأشد، كما تقول للمنصوح: أقول لك ثم أقول لك: لا تفعل. والمعنى: سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدّامكم من هول لقاء اللّه، وإنّ هذا التنبيه نصيحة لكم ورحمة عليكم. ثم كرّر التنبيه أيضا وقال: {لَوْ تَعْلَمُونَ} محذوف الجواب، يعنى: لو تعلمون ما بين أيديكم علم الأمر اليقين، أى: كعلمكم ما تستيقنونه من الأمور التي وكلتم بعلمها هممكم: لفعلتم ما لا يوصف ولا يكتنه، ولكنكم ضلال جهلة، ثم قال: {لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ} فبين لهم ما أنذرهم منه وأوعدهم به، وقد مرّ ما في إيضاح الشيء بعد إبهامه من تفخيمه وتعظيمه، وهو جواب قسم محذوف، والقسم لتوكيد الوعيد، وأن ما أوعدوا به مالا مدخل فيه للريب، وكرره معطوفا بثم تغليظا في التهديد وزيادة في التهويل. وقرئ: {لترؤن} بالهمز، وهي مستكرهة.
فإن قلت: لم استكرهت والواو المضمومة قبلها همزة قياس مطرد؟
قلت: ذاك في الواو التي ضمتها لازمة، وهذه عارضة لالتقاء الساكنين. وقرئ: {لترون}، و{لترونها} على البناء للمفعول {عَيْنَ الْيَقِينِ} أي الرؤية التي هي نفس اليقين وخالصته. ويجوز أن يراد بالرؤية: العلم والإبصار {عَنِ النَّعِيمِ} عن اللهو والتنعم الذي شغلكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه.
فإن قلت: ما النعيم الذي يسئل عنه الإنسان ويعاتب عليه؟ فما من أحد إلا وله نعيم؟
قلت:
هو نعيم من عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقهما، فأما من تمتع بنعمة اللّه وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوّى بها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضا بالشكر: فهو من ذاك بمعزل، وإليه أشار رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيما يروى: أنه أكل هو وأصحابه تمرا وشربوا عليه ماء فقال: «الحمد للّه الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين».
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ ألهاكم التكاثر لم يحاسبه اللّه بالنعيم الذي أنعم به عليه في دار الدنيا، وأعطى من الأجر كأنما قرأ ألف آية». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {ألْهاكُم التّكاثُرُ}
في {ألهاكم} وجهان:
أحدهما: شغلكم.
الثاني: أنساكم، ومعناه ألهاكم عن طاعة ربكم وشغلكم عن عبادة خالقكم.
وفي {التكاثر} ثلاثة أقاويل:
أحدها: التكاثر بالمال والأولاد، قاله الحسن.
الثاني: التفاخر بالعشائر والقبائل، قاله قتادة.
الثالث: التشاغل بالمعاش والتجارة، قاله الضحاك.
{حتى زُرْتُم المقابِرَ} فيه وجهان:
أحدهما: حتى أتاكم الموت فصرتم في المقابر زوّارًا ترجعون منها كرجوع الزائر إلى منزله من جنة أو نار.
الثاني: ما حكاه الكلبي وقتادة: أن حيّين من قريش، بني عبد مناف وبني سهم، كان بينهما ملاحاة فتعادّوا بالسادة والأشراف أيهم أكثر، فقال بنو عبد مناف: نحن أكثر سيّدًا وعزًا وعزيزًا وأعظم نفرًا، وقال بنو سهم مثل ذلك، فكثرهم بنو عبد مناف، فقال بنو سهم إن البغي أهلكنا في الجاهلية فعُدّوا الأحياء والأموات، فعدّوهم فكثرتهم بنو سهم، فأنزل الله تعالى: {ألهاكم التكاثر} يعني بالعدد {حتى زرتم المقابر} أي حتى ذكرتم الأموات في المقابر.
{كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمونَ ثم كلاّ سَوْفَ تَعلَمونَ} هذا وعيد وتهديد، ويحتمل أن يكون تكراره على وجه التأكيد والتغليظ.
ويحتمل أن يعدل به عن التأكيد فيكون فيه وجهان:
أحدهما: كلا سوف تعلمون عند المعاينة أن ما دعوتكم إليه حق، ثم كلا سوف تعلمون عند البعث أن ما وعدتكم صدق.
الثاني: كلا سوف تعلمون عند النشور أنكم مبعوثون، ثم كلا سوف تعلمون في القيامة أنكم معذَّبون.
{كلاّ لو تَعْلَمون عِلْمَ اليَقِين} معناه لو تعلمون في الحياة قبل الموت من البعث والجزاء ما تعلمونه بعد الموت منه.
{عِلْمَ اليقين} فيه وجهان:
أحدهما: علم الموت الذي هو يقيني لا يعتريه شك، قاله قتادة.
الثاني: ما تعلمونه يقينًا بعد الموت من البعث والجزاء، قاله ابن جريج.
وفي {كَلاَّ} في هذه المواضع الثلاثة وجهان:
أحدهما: أنها بمعنى (ألا)، قاله أبو حاتم.
الثاني: أنها بمعنى حقًا، قاله الفراء.
{لَتَروُنَّ الجَحيمَ} فيه وجهان:
أحدهما: أن هذا خطاب للكفار الذين وجبت لهم النار.
الثاني: أنه عام، فالكافر هي له دار والمؤمن يمر على صراطها.
روى زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرفع الصراط وسط جهنم، فناج مسلّم، ومكدوس في نار جهنم».
{ثم لَتَروُنَّها عَيْنَ اليَقين} فيه وجهان:
أحدهما: أن عين اليقين المشاهدة والعيان.
الثاني: أنه بمعنى الحق اليقين، قاله السدي.
ويحتمل تكرار رؤيتها وجهين:
أحدهما: أن الأول عند ورودها.
والثاني: عند دخولها.
{ثم لتُسْأَلُنَّ يومَئذٍ عن النَّعيمِ} فيه سبعة أقاويل:
أحدها: الأمن والصحة، قاله ابن مسعود؛ وقال سعيد بن جبير: الصحة والفراغ، للحديث.
الثاني: الإدراك بحواس السمع والبصر، قاله ابن عباس.
الثالث: ملاذّ المأكول والمشروب، قاله جابر بن عبد الله الأنصاري.
الرابع: أنه الغداء والعشاء، قاله الحسن.
الخامس: هو ما أنعم الله عليكم بمحمد صلى الله عليه وسلم، قاله محمد بن كعب.
السادس: عن تخفيف الشرائع وتيسير القرآن، قاله الحسن أيضًا والمفضل.
السابع: ما رواه زيد بن أسلم عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ثم لتسألن يومئذٍ عن النَعيم} عن شبع البطون وبارد الماء وظلال المساكن واعتدال الخلق ولذة النوم، وهذا السؤال يعم المؤمن والكافر، إلا أن سؤال المؤمن تبشير بأن جمع له بين نعيم الدنيا ونعيم الآخرة، وسؤال الكافر تقريع لأنه قابل نعيم الدنيا بالكفر والمعصية، ويحتمل أن يكون ذلك تذكيرًا بما أوتوه، ليكون جزاء على ما قدموه. اهـ.

.قال ابن عطية:

سورة التكاثر:
{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ (1)}
(ألهى) معناه: شغل بلذاته، ومنه لهو الحديث والأصوات واللهو بالنساء، وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسر.
وقرأ ابن عباس وعمران الجوني وأبو صالح: {أألهاكم} على الاستفهام، و{التكاثر} هي المفاخرة بالأموال والأولاد والعدد جملة، وهذا هجيرى أبناء الدنيا: العرب وغيرهم لا يتخلص منهم إلا العلماء المتقون، وقد قال الأعشى: السريع:
ولست بالأكثر منهم حصى ** وإنما العزة للكاثر

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يقول ابن آدم مالي مالي، وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت»، واختلف المتأولون في معنى قوله تعالى: {حتى زرتم المقابر}، فقال قوم: حتى ذكرتم الموت في تفاخركم بالآباء والسلف، وتكثرتم بالعظام الرمام، وقال المعنى: حتى متم وزرتم بأجسادكم مقابرها أي قطعتم بالتكاثر أعماركم، وعلى هذا التأويل روي أن أعرابيًا سمع هذه الآية فقال: بعث القوم للقيامة ورب الكعبة، فإن الزائر منصرف لا مقيم، وحكى النقاش هذه النزعة من عمر بن عبد العزيز، وقال آخرون: هذا تأنيب على الإكثار من زيارة القبور أي حتى جعلتم أشغالكم القاطعة بكم عن العبادة والتعلم زيارة القبور تكثرًا بمن سلف وإشادة بذكره، وقال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزورها ولا تقولوا هجرًا» فكان نهيه عليه السلام في معنى الآية، ثم أباح بعد لمعنى الاتعاظ لا لمعنى المباهاة والتفاخر كما يصنع الناس في ملازمتها وتسنيمها بالحجارة والرخام وتلوينها شرفًا وبنيان النواويس عليها، وقوله تعالى: {كلا سوف تعلمون} زجر ووعيد ثم كرر تأكيدًا، ويأخذ كل إنسان من الرجز والوعيد المكررين على قدر حظه من التوغل فيما يكره، هذا تأويل جمهور الناس، وقال علي بن أبي طالب: «كلا ستعلمون في القبور ثم كلا ستعلمون في البعث»، وقال الضحاك: الزجر الأول وعيده هو للكفار والثاني للمؤمنين.
وقرأ مالك بن دينار: {كلا ستعلمون} فيهما، وقوله تعالى: {كلا لو تعلمون علم اليقين} جواب {لو} محذوف مقدر في القول أي لازدجرتم وبادرتم إنقاذ أنفسكم من الهلكة، و{اليقين} أعلى مراتب العلم، ثم أخبر تعالى الناس أنهم يرون الجحيم.
وقرأ ابن عامر والكسائي: {لتُرون} بضم التاء.
وقرأ الباقون بفتحها وهي الأرجح، وكذلك في الثانية.
وقرأ علي بن أبي طالب بفتح التاء الأولى وضمها في الثانية، وروي ضمها عن ابن كثير وعاصم، و(ترون) أصله ترأيون نقلت حركة الهمزة إلى الراء وقلبت الياء ألفًا لحركتها بعد مفتوح، ثم حذفت الألف لسكونها. وسكون الواو بعدها ثم جلبت النون المشددة فحركت الواو بالضم لسكونها وسكون النون الأولى من المشددة إذ قد حذفت نون الإعراب للبناء، وقال ابن عباس: هذا خطاب للمشركين، فالمعنى على هذا أنها رؤية دخول.
التكاثر: (7) ثم لترونها عين..... وصلي وهو {عين اليقين} وقال آخرون الخطاب للناس كلهم فهي كقوله تعالى: {وإن منكم الا واردها} مريم 71 فالمعنى ان الجميع يراها ويجوز الناجي ويتكردس فيها الكافر وقوله تعالى: {ثم لترونها عين اليقين} تاكيدا في الخبر و{عين اليقين} حقيقته وغايته وروي عن الحسن وأبي عمرو انهما همزا {لترؤن} ولترؤنها بخلاف عنهما وروي ابن كثير {ثم لترونها} بضم التاء ثم اخبر تعالى ان الناس مسؤولون يومئذ عن نعيمهم في الدنيا كيف نالوه ولم آثروه وتتوجه في هذا اسئلة كثيرة بحسب شخص من شخص منقادة لمن أعطي فهما في كتاب الله تعالى: التكاثر: (8) {ثم لتسألن يومئذ...}..
وقال ابن مسعود والشعبي وسفيان ومجاهد {النعيم} هو الأمن والصحة وقال ابن عباس هو البدن والحواس يسأل المرء فيما استعملها وقال ابن جبير هو كل ما يتلذذ به من طعام وشراب واكل رسول الله عليه السلام هو وبعض أصحابه رطبا وشربوا عليها ماء فقال لهم هذا من النعيم الذي تسألون عنه ومضى يوما عليه السلام هو وأبو بكر وعمر وقد جاؤوا إلى منزل ابي الهيثم بن التيهان فذبح لهم شاة وأطعمهم خبزا ورطبا واستعذب لهم ماء وكانوا في ظل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والذي نفسي بيده لتسألن عن نعيم هذا اليوم» وروي عنه عليه السلام انه قال: «النعيم المسؤول عنه كسرة تقوته وماء يرويه وثوب يواريه»وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ان النعيم المسؤول عنه الماء البارد في الصيف» وقال عليه السلام «من اكل خبز البر وشرب الماء البارد فذلك النعيم الذي يسأل عنه» وقال عليه السلام «بيت يكنك وخرقة تواريك وكسرة تشد قلبك وما سوى ذلك فهو نعيم» وقال النبي عليه السلام «وكل نعيم فهو مسؤول عنه الا نعيم في سبيل الله عز وجل». نجز تفسير سورة {التكاثر}. اهـ.